• SURFER 10.
  • Principles of Sedimentology and Stratigraphy.
  • Introduction to Physical Geology - Thompson and Turk.
  • 3-D seismic interpretation.

0 تهديدات الزلازل الصامتة

BY: GEOPHYSICSAWY

تهديدات الزلازل الصامتة(*)
إن عدم وجود قعقعات واهتزازات محسوسة لا يعني بالضرورة أن الزلزال غير مؤذٍ أو غير
مدمر، لأن بعض الزلازل الهادئة يمكن أن تسبق الطوفانات البحرية (التسوناميات)
العاتية أو الهزات الأرضية العنيفة.

في أوائل الشهر 11/2000، ضرب جزيرة هاواي الضخمة أكبر الزلازل التي حدثت بها منذ ما يزيد على عقد من الزمن، حيث اندفعت كتلة صخرية يزيد حجمها على 2000 كم3 من السفح الجنوبي لبركان كيلوئيا Kilauea نحو المحيط لتحرر طاقة مقدارها 5.7 درجة (حسب مقياس ريختر). لقد حدث جزء من هذه الحركة تحت رقعة يقف عندها آلاف الناس كل يوم، لإلقاء نظرة خاطفة على أكثر مناظر تدفق الحمم البركانية روعة. ولكن عندما ضرب الزلزال لم يلحظه أحد حتى علماء الزلازل!

كيف أمكن إغفال حدث كبير كهذا؟ لقد تبين أن الاهتزاز ليس جزءا جوهريا من جميع الزلازل، وإن ما حدث في جزيرة كيلوئيا كان أول السجلات البيِّنة التي لا تحتمل الشك، لما يسمى بالزلزال الصامت، وهو نوع من تحركات الكتل الأرضية الضخمة، التي لم تكن معروفة لدى العلماء منذ بضعة أعوام. وفي الحقيقة، لم أكن لأكتشف هذه الزلزلة مطلقا، لولا أن زملائي العاملين في مرصد البراكين بهاواي، التابع لمصلحة المساحة الجيولوجية الأمريكية، كانوا يستخدمون شبكة من أجهزة الرصد الحساسة لمتابعة نشاط البركان. ولكن عندما لاحظتُ في النهاية أن الجانب الجنوبي لبركان كيلوئيا قد انزاح بمقدار 10 سم على طول فالق (صدع) جوفي، رأيت أيضا أن هذه الإزاحة استغرقت 36 ساعة (سرعة السلحفاة بالنسبة لزلزال!). ففي ارتجاف نموذجي، يندفع جانبا الفالق أحدهما عبر الآخر في غضون ثوان، بسرعة تكفي لإطلاق موجات سيزمية تسبب اهتزاز الأرض وصدور قعقعات قوية.

لكن حدوث الزلزال ببطء وهدوء لا يُقلِّل من أهميته. إذ تحققنا (أنا وزميلي) على الفور، أن زلزال كيلوئيا الصامت يمكن أن يكون إنذارا بكارثة؛ إذ لو أن تلك الكمية الكبيرة من الصخور والجلاميد اكتسبت زخما وأخذت شكل انزلاقات أرضية ضخمة،وانفصلت عن بقية جسم البركان وسقطت سريعا في البحر، فستكون العواقب كارثية. إن هذه المواد الساقطة والناجمة عن الانهيار، سترفع مياه البحر عاليا لتشكل جدارا من موجات تسونامي(1) tsunami الطوفانية، التي قد تهدد المدن الساحلية على طول الحافة الپاسيفيكية Pacific Rim بأكملها. وتعتبر هذه الانهيارات السفحيةflank failure الكارثية، كما يسميها الجيولوجيون، خطرا كامنا يهدد الكثير من البراكين في الجزر حول العالم.


يمكن لانزلاق أرضي عملاق (في أعلى الصفحة المقابلة)، ناجم عن زلزال صامت، أن يولد طوفانا بحريا
مخيفا (تسونامي) يبلغ ارتفاعه مئات الأمتار (في الأسفل).


منقلب غير متوقع(**)
إن اكتشاف الزلازل الصامتة ينبئ، لحسن الحظ، بأخبار سارة أكثر مما ينبئ بأخبار سيئة، حيث يمكن أن تقدم الأجهزة التي تسجل الزلازل الصامتة تحذيرا مبكرا إزاء احتمال حدوث انهيارات سفحية كارثية. إن الأدلة الجديدة على الشروط التي يمكن أن تحفز انزلاقا صامتا، تطرح استراتيجيات واضحة لتحاشي انزلاقات السفوح وانهياراتها. لقد ورد ذكر حدوث زلازل صامتة في مناطق لم تكن الانهيارات السفحية فيها واردة، مما يجعل الزلازل الصامتة طرائق مفيدة لتحسين التنبؤ بنظيراتها غير الصامتة.

كان اكتشاف الزلازل الصامتة وعلاقتها بانهيارات السفوح الكارثية بمثابة نتيجة ثانوية للمساعي المبذولة من أجل دراسة المخاطر الطبيعية الكامنة الأخرى. فالزلازل المدمرة والبراكين مدعاة للقلق في اليابان وفي الولايات المتحدة (في شمال غرب المحيط الهادئ)، حيث تغوص الألواح التكتونية باستمرار في عمق الأرض، على طول ما يسمى نطق الاندساس subduction zones. ومنذ أوائل التسعينات من القرن الماضي بدأ الجيولوجيون بنشر شبكات رصد واسعة لمنظومات تحديد المواقع الجغرافية (GPS)(2) ذات التسجيل المتواصل، على سفوح المخاريط البركانية النشطة مثل بركان كيلوئيا. إذ تستطيع أجهزة GPS هذه، من خلال التقاطها الإشارات الصادرة عن أكثر من 30 ساتلا ملاحيا navigational satellite، تحديد مواقعها الذاتية على سطح كوكب الأرض في أي وقت وبدقة تبلغ بضعة مليمترات.



توقَّع العلماء، الذين نشروا لواقط GPS، مشاهدة الحركة المستمرة للألواح التكتونية التي تتكون منها قشرة الأرض، إضافة إلى الحركات السريعة نسبيا التي تحرضها الزلازل والبراكين. ولكنهم دهشوا عندما اكتشفت هذه اللواقط تحركات أرضية صغيرة لا يرافقها أي زلزال أو انفجار معروف. لقد تبين عندما رسم الباحثون هذه التحركات على خريطة، أن نمطها شبيه جدا في هيئته بالنمط المميز لحركة الفوالق، وبعبارة أخرى: فقد تحركت جميع المحطات GPS، الواقعة على جانب واحد من فالق ما عدة سنتيمترات في الاتجاه العام نفسه. لم يكن لهذا النمط أن يثير أية دهشة، لو أنه حدث على مدى عام أو أكثر. كان العلماء سيعرفون أن مثل هذه الحركة تنجم عن عملية بطيئة تسمى زحف الفالق fault creep، حيث تكون معدلات الحركة بحدود السنتيمترات في اليوم الواحد، في حين تكون في الأحداث الغامضة أسرع من ذلك بمئات المرات. وإضافة إلى سرعتها النسبية، تشارك الزلازل الصامتة نظيراتها المدوية في سمة أخرى، تميزها من زحف الفوالق، هي كونها لا تمثل عمليات مطردة، بل هي على العكس أحداث منفصلة تبدأ وتنتهي بشكل مفاجئ.

تثير تلك البداية المفاجئة القلق، عندما تحدث على سفوح جزيرة بركانية، لاحتمال حدوث انهيار كارثي في تلك السفوح. إن معظم الزلازل النموذجية تحدث على طول فوالق تضم مكابح ذاتية built-in-brakes، حيث تتوقف الحركة عندما يتلاشى الإجهاد بين كتلتي الأرض اللتين تحاولان الابتعاد إحداهما عن الأخرى. ولكن هذه الحركة لا تتوقف عندما تصبح قوى الثقالة هي الدافع الأساسي. وفي أسوأ الحالات يفقد ذلك الجزء من البركان الواقع فوق الفالق استقراره، بحيث إنه ما إن يبدأ الانزلاق، حتى تشد قوى الثقالة الجبهة الجبلية بكاملها نحو الأسفل إلى أن تتفتت إلى كومة من الحطام والجلاميد تختفي في قاع البحر.

تصير سفوح البراكين، مثل بركان كيلوئيا، شديدة الانحدار ومعرضة لهذا النوع من الانهيار، عندما تؤدي الحمم البازلتية الناجمة عن الثورانات البركانية المتكررة إلى بناء تلك السفوح بمعدل أكبر مما تفعله بها عمليات الحت والتعرية. وهكذا فإن اكتشاف الزلزال الصامت في كيلوئيا يشير إلى أن السفح الجنوبي للبركان في حالة تحرك، وأنه ربما في طريقه إلى الزوال النهائي.

يمكن للانهيارات البركانية المولّدة للطوفانات البحرية
(تسونامي) أن تحدث مرة كل عشرة آلاف سنة.
يعتقد، حتى الآن، أن الاحتكاك على طول الفالق، يقوم بدور كوابح الطوارئ، غير أن قوى الثقالة كان لها اليد الطولى في العديد من الحالات الأخرى التي حدثت في الماضي. لطالما وجد العلماء شواهد على انهيارات قديمة في صور سونارية sonar images التقطت لحقول ضخمة من الجلاميد وحطام الصخور في المياه الضحلة المحيطة بالجزر البركانية حول العالم، بما في ذلك جزيرة مايوركا في البحر الأبيض وجزر الكناري في المحيط الأطلسي. أما جزر الهاواي، فقد وجد الجيولوجيون فيها أكثر من 25 انهيارا منفصلا، حدثت خلال الخمسة ملايين سنة الماضية ـ وهي طرفة عين بمقياس الزمن الجيولوجي.

يُقدر حجم الكتل الصخرية الناجمة عن انزلاق نموذجي واحد، تسقط في قاع المحيط، بأنه أكبر بمئات المرات من ذلك الجزء الذي انفجر من جبل سان هيلينز خلال ثوران عام 1980، وهذا يزيد كثيرا عما يتطلبه إطلاق طوفانات تسونامي ضخمة. أما في جزيرة لاناي Lanai في هاواي، على سبيل المثال، فقد اكتشف الجيولوجيون شواهد على نشاط موجي بحري تضمن الكثير من كسر قواقع بحرية وُجِدت على ارتفاع 325 مترا. وقدر الجيولوجي وزملاؤه من جامعة هاواي في مانُوَا أن الاحتمال الأرجح، حول وصول هذه القواقع إلى مكانها العالي، هو انتقالها مع موجات طوفان تسونامي، بلغت يومذاك ارتفاعا مذهلا (300 متر) بمحاذاة بعض سواحل هاواي. وجدير بالذكر أن معظم الموجات الأكثر ارتفاعا التي تم تسجيلها في الأزمنة الحديثة، لم تتجاوز عُشْر هذه القيمة.

نظرة إجمالية/ سفوح زَلِقَة(***)

لقد تبين أنه ليست جميع الزلازل تهز الأرض. إن ما يسمى بالزلازل الصامتة تدفع العلماء لإعادة التفكير في فهمهم للطريقة التي تسلكها الفوالق المعرضة للزلزلة.
في حالات نادرة، يمكن للزلازل الصامتة، التي تحدث على طول السفوح البركانية المحاذية للمحيط، أن تسبب سلسلة من الانزلاقات العملاقة تستقر في قاع البحر وتحفز طوفانات بحرية شاهقة (تسونامي).
يمكن للزلازل الصامتة التي تحدث في نطق الفوالق التي تنجم عن اندساس لوح تكتوني تحت لوح آخر أن تزيد من احتمال حدوث هزات أرضية. ومع هذا، ففي مواقع أخرى، يمكن للانزلاقات الصامتة أن تقلل من احتمالات حدوث زلازل مدمرة، من خلال تحريرها للإجهادات المتراكمة على طول الفوالق، وإلا فمن الممكن أن تنفلت على شكل زلازل مدمرة.


الاحتياط من وقوع الأسوأ(****)
بقدر ما لمثل هذا الحدث من آثار مرعبة، يجب تفهم مخاطره في إطارها المناسب. إن أحداث الانهيارات الكارثية للسفوح البركانية نادرة بمقياس عمر البشر، مع أن حدوثها أكبر احتمالا بكثير من إمكانية ارتطام كويكب asteroid أو مذنب comet ضخم بالأرض محدثا دمارا كبيرا. إن الانهيارات الكثيرة القادرة على توليد طوفان تسونامي تحدث في مكان ما من جزر هاواي، مرة واحدة كل مئة ألف سنة، في حين يقدر بعض العلماء وقوع مثل هذه الأحداث على سطح الكرة الأرضية بمعدل مرة كل عشرة آلاف سنة. ونظرا للمخاطر الكبيرة المرتبطة بها، يعتقد الكثير من العلماء بضرورة الاستعداد المسبق لوقوعها.

ولأجل اكتشاف التشوه الحاصل في جزر بركانية غير مستقرة ورصده، بدأ نشر شبكات مؤلفة من اللواقط GPS، تقوم بالتسجيل المتواصل، وذلك في جزيرة ريونيون Réunion في المحيط الهندي، وفي فوگو Fogo في جزر كيپ ڤيردي Cape Verde، وفي كامل أرخبيل گالاپاگوس Galpagos Archipelago، وغيرها من الأمكنة. فعلى سبيل المثال، كشفت شبكة كيلوئيا المؤلفة من أكثر من عشرين محطة GPS، أن البركان يتعرض للزحف، وتحدث به زلازل صامتة، إضافة إلى زلازل نموذجية كبيرة مدمرة. ومع هذا يعتقد بعض العلماء، أن يكون كيلوئيا حاليا محصنا من الانهيارات المدمِّرة بوساطة عدد من أكوام الحطام تحت البحرية المؤلفة من الطين والصخور (ناجمة ربما عن ردميات الانهيارات السفحية السابقة)، التي تدعِّم سفحه الجنوبي. ويمكن بسهولة تعميم هذه الاكتشافات الجديدة حول كيفية حدوث الانزلاقات في كيلوئيا على الجزر البركانية الأخرى، التي لا تتوافر فيها البنى الداعمة أو المساندة.

انزلاقات أرضية عملاقة وطوفانات بحرية (تسوناميات) مرعبة(*****)
تشير حقول الجلاميد والحطام الصخرية الموجودة تحت سطح الماء (انظر المواقع المحاطة بالخط الأحمر في الشكل)، إلى حقيقة سقوط أجزاء كبيرة من براكين هاواي في قاع المحيط على فترات زمنية متتالية. ويظن بعض الجيولوجيين أن انهيارا حدث في السفح الغربي لبركان ماونالُوَا MaunaLoa (انظر البقعة المحاطة بالخط الأسود في الشكل)، أدى إلى إطلاق طوفان بحري عملاق (تسونامي) وترسب قواقع وصخور بسماكة بلغت 800 متر على طول الشاطئ القريب. لقد كشفت المحاكاة الحاسوبية (في اليسار)، أن هذا الانزلاق الأرضي نفسه ربما أطلق أمواجا وصل ارتفاعها إلى 300 متر. ولفترة قصيرة، يمكن أن تكون جزيرة مُووِي Maui قد انقسمت قسمين، وأن يكون قاع المحيط قد انكشف إلى الغرب من جزيرة مولوكاي Molokai.


ومهما تكن الظروف المميزة لجزيرة ما، فإن التحول من الزحف الصامت إلى الانهيار المفاجئ، قد يتضمن تسارعا مفاجئا للسفح المتحرك؛ وفي أسوأ الأحوال يمكن لهذا التسارع أن يتحول فورا إلى سرعات قاتلة، لا تترك فرصة للكشف أو الإنذار المبكر. وفي أفضل الأحوال، يمكن للتسارعات أن تحدث بصورة متقطعة في شكل سلسلة من الزلازل الصامتة التي تتفاقم تدريجيا إلى زلازل نظامية، ومن ثَم إلى الكارثة. وتسمح شبكة GPS ذات التسجيل المتواصل باكتشاف هذه التسارعات المتقطعة بسهولة قبل أن تبدأ الزلازل الاهتزازية بالحدوث، وبشيء من الحظ قد يكون هناك الوقت الكافي لإصدار التحذيرات الوقائية قبل حدوث تسونامي.

أما إذا كان الانهيار كبيرا بما فيه الكفاية، فسيكون الإنذار قبل بضع ساعات أو عدة أيام غير كاف، لأنه سيكون من الصعب في هذه الحالة إجلاء جميع السكان. وهكذا فإن هذه القضية تطرح السؤال حول ما إذا كانت الجهات الرسمية ستقوم يوما ما باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. إن مسألة تدعيم السفوح المعرضة للانزلاق في البراكين البحرية قابلة للحل من حيث المبدأ، مع أنها من الناحية العملية تتطلب مجهودات هائلة. فلننظر مثلا إلى استخدام القوة الكبيرة. فإذا تمت إزالة كميات كافية من الصخور الواقعة في الأجزاء العليا من سفح بركاني غير مستقر، ستختفي، ولفترة تصل إلى بضع مئات بل آلاف من السنين، الطاقة الكامنة التي يمكن أن تدفع هذه الأجزاء غير المستقرة نحو الانهيار. وهناك طريقة ممكنة أخرى تتمثل في إنقاص ارتفاع السفح غير المستقر ببطء عبر سلسلة من الزلازل الخفيفة، وهي أقل تكلفة بكثير، ولكنها محفوفة بمخاطر جيولوجية غير معلومة. ويستطيع العلماء اعتماد الأسباب التي تحرك حاليا الزلازل الصامتة في كيلوئيا، كوسيلة مضادة لمنع الانهيارات.

ميكانيك الزلازل الصامتة(******)
يمكن للمياه المتسربة إلى الأعماق تحريض الزلازل الصامتة، إذا هي وجدت طريقها إلى فالق غير حصين. إذ إن المياه المضغوطة عاليا، بسبب الأحمال الثقيلة التي تتعرض لها من الطبقات الصخرية الواقعة فوقها، تكون قادرة على دفع جانبي الفالق أحدهما بعيدا عن الآخر (الإطار)، فيسهل عليهما الانزلاق التباعدي (الأسهم الحمراء). تحدث هذه الأنواع من الانزلاقات الصامتة في نُطق الاندساس والجزر البركانية.
يمكن لمياه الأمطار التسرب من سطح الأرض والوصول إلى الفوالق الضحلة، مثل تلك التي تفصل سفحا غير مستقر عن بقية البركان.
فالق مملوء بالماء
يمكن للمياه المعتصرة من معادن مائية موجودة في بلاطة slab من قاع محيط قديم أن تخترق الفوالق التي تشكلت خلال انغماس البلاطة تحت لوح تكتوني آخر.


قبل تسعة أيام من وقوع أحدث زلزال صامت في كيلوئيا، هطلت على الجزيرة، نتيجة لعاصفة مطرية شديدة، كمية من الأمطار بلغت ما يعادل 1000مم خلال أقل من 36 ساعة. والجيولوجيون يعرفون أن المياه المتسربة إلى باطن الأرض قادرة على تحفيز الزلازل، بعد أن تملأ الفوالق، وأن الأيام التسعة التي مضت على العاصفة المطيرة، هي الوقت الذي قدّره هؤلاء، كي تأخذ المياه طريقها عبر الشقوق والمسام في الصخور البازلتية، حتى أعماق تصل إلى خمسة كيلومترات، حيث تحدث الزلازل الصامتة. ولكني وزملائي نظن أن حمولة الصخور السطحية قد ضغطت على مياه الأمطار ودفعت جانبي الفالق أحدهما عن الآخر، وسهل ذلك انزلاق أحدهما بعيدا عن الآخر.

لقد منح هذا الاكتشاف دعما للفكرة الخلافية المتمثلة بحقن المياه أو البخار في الفوالق عند قاعدة سفح مهدد بالانزلاق، وذلك من أجل تحفيز الزلازل التي تقوم بتخفيف (تنفيس) الإجهادات والتخفيض البطيء للسفح. يتم هذا الانزلاق الاصطناعي (الذي يحدثه الإنسان) عادة بمقاييس صغيرة جدا، في مواقع المحطات الحرارية الجوفية geothermal وغيرها، حيث يتم حقن المياه في الأرض. ولكن عندما يتعلق الأمر بالبراكين، تكمن الصعوبة الكبرى في حقن الكمية الصحيحة من السائل في المكان المناسب، وذلك لاجتناب حدوث الانهيارات الضخمة التي نسعى إلى تفاديها عبر هذه الإجراءات. لقد فكر بعض الجيوفيزيائيين في اعتماد هذه الاستراتيجية وسيلة لتخفيف الإجهادات على طول فالق سان أندرياس San Andreas السيئ الذكر في كاليفورنيا، ولكنهم استبعدوا هذه الفكرة لأنهم يخشون أن تؤدي إلى حدوث مشكلات أكثر من إيجاد الحلول.

مزالق مائية(*******)
وبعيدًا عن لفت الاهتمام نحو ظاهرة الانهيار الكارثي لسفح بركان معين، فإن اكتشاف الزلازل الصامتة يدفع العلماء إلى إعادة تقييم المناحي المختلفة لحركة الفوالق، بما فيها تقييم المخاطر الزلزالية. لقد رصد الباحثون في شمال غرب المحيط الهادئ العديد من الزلازل الصامتة التي وقعت على طول منطقة فالق كاسكاديا Cascadia fault الضخم، الفاصل بين اللوح التكتوني الشمال أمريكي ولوح وان دي فوكا Juan de Fuca المندس تحته. إن إحدى السمات الغريبة لهذه الزلازل الصامتة، هي أنها تحدث على فترات زمنية منتظمة إلى حد كبير وبشكل يسمح الآن للعلماء أن يتنبؤوا ـ بنجاح ـ بوقوعها.

يستند هذا الاستشراف (التنبؤ) على الأرجح إلى حقيقة أن المياه الجارية من تحت مناطق الاندساس قد تتحكم، بشكل واضح، في تحديد زمان ومكان الانزلاق الصامت، الذي يصيب الفوالق. ففيما يزداد تعمق اللوح المندس في جوف الأرض، يصادف درجات حرارة وضغوطا متزايدة، مما يطلق كميات كبيرة من المياه المحبوسة في المعادن الغنية بالماء الموجودة في البلاطة slab. وهكذا يمكن أن تحدث الزلازل الصامتة، عندما تأخذ الموائع طريقها من البلاطة نحو الأعلى وتحرر القطاع الفالقي قليلا، مما يتسبب ربما في حدوث بعض الانزلاق البطيء.

وماذا بعد؟ لقد أعلن كل من و [من مؤسسة المساحة الجيولوجية الكندية] في الشهر 6/2003 أن هذه الرجفات الصامتة يمكن أن تستخدم نذيرا لحدوث بعض الزلازل العنيفة على المستوى الإقليمي. وبما أن هذه الانزلاقات البطيئة تتم في الأعماق وعلى فترات متقطعة فهي تحدد وتيرة تراكم الإجهادات في الجزء الضحل من منطقة الفالق (الأقرب إلى السطح)، وهو الجزء الذي يتحرك بصورة متقطعة. وفي هذا الجزء الضحل والمغلق من الفالق، يحتاج الأمر إلى سنوات أو حتى إلى مئات السنوات لتتراكم الإجهادات وتصبح قادرة على إطلاق زلزال رئيسي. ومع ذلك، يعتقد كل من <روجرز> و<دراگيرت> أن الانزلاق الصامت ربما يسارع بشكل مثير نشوء الإجهادات وتراكمها، مما يزيد من مخاطر حدوث زلزال عادي (نمطي) في الأسابيع أو الأشهر اللاحقة للزلزال الصامت.

تحدث بعض الزلازل الصامتة على فترات منتظمة إلى
الحد الذي يُمكن من التنبؤ بها بنجاح.
لقد دفعت ظاهرة الزلازل الصامتة العلماء إلى إعادة التفكير في الاستشراف الزلزالي في أجزاء أخرى من العالم أيضا. إن مناطق اليابان، القريبة مما يُطلق عليه اسم الفُرجات الزلزالية seismic gaps (وهي مناطق تحدث فيها زلازل نمطية أقل من المتوقع، رغم وجودها في إقليم نشط زلزاليا بشكل عام)، تعتبر مُقبلةً على صدمة مدمرة، ولكن إذا كان انزلاق صامت قد حرر إجهادات موجودة على طول هذه الفوالق، دون أن يدركه العلماء، فإن درجة الخطورة قد تكون بالفعل أقل مما يعتقدون. وبالتشابه، إذا تم اكتشاف انزلاق صامت على طول الفوالق التي كانت تعتبر غير نشطة حتى الآن، فإن هذه البنى تحتاج إلى تقييم دقيق لتحديد ما إذا كانت قادرة على تحريض زلازل مدمرة.

أما إذا أثبتت أية دراسة مستقبلية أن الزلازل الصامتة ظاهرة مشتركة بين معظم الفوالق الكبيرة، عندئذ سيكون على العلماء إعادة النظر في المبادئ التي طال تبنيها حول الزلازل. إذ إن رصد العديد من السرعات المختلفة لانزلاق الفالق، يطرح تحديا حقيقيا على العلماء النظريين الذين يحاولون، مثلا، تعليل عملية نشوء الفالق بالقوانين الفيزيائية الأساسية؛ لأنه من المعروف أن عدد الزلازل المسجّلة وحجمها يمكن تعليلها من خلال قانون احتكاك بسيط إلى حد ما؛ ولكن هل يمكن لهذا القانون أن يفسر الزلازل الصامتة أيضا؟ مع أن الإجابة عن هذا السؤال لم تتحدد بعد، فإن البحث لا يزال مستمرا.

إن الزلازل الصامتة هي الآن في طريقها للدخول في قاموس المعارف العلمية العامة، إذ تؤذن هذه الأحداث الهادئة والرقيقة بزيادة أسية xponential في تعميق فهمنا لكيفية حدوث الانزلاقات الفالقية وأسباب هذه الانزلاقات. ولسنا بحاجة إلى تأكيد أهمية فك رموز عملية انزلاق الفوالق، لأن الانزلاق السريع يتسبب في أضرار هائلة، تصل أحيانا إلى مسافات بعيدة عن المنبع. إن وجود الزلازل الصامتة يقدم للعلماء بعدا جديدا لعملية الانزلاق، إذ يسمح بإجراء دراسة تفصيلية لمناطق الفوالق خلال كل مرحلة من مراحل حركتها.


المؤلف
Peter Cervelli
باحث جيوفيزيائي في مرصد البراكين بهاواي، التابع لمصلحة المساحة الجيولوجية الأمريكية، والمقام على طول حافة بركان كيلوئيا كالديرا Caldera على الجزيرة الكبرى the Big island . يدير <سرڤللي> مشروع تشوهات القشرة الأرضية التابع للمرصد، وهو المسؤول عن تفسير البيانات التي تجمعها شبكة مؤلفة من نحو 50 محطة رصد، تسجل الميل والإجهاد والحركات الخفيفة داخل أنشط بركانين في الجزيرة، هما: بركان ماونالوا وبركان كيلوئيا. لقد اكتشف <سِرڤللي> الزلزال الصامت الذي ضرب السفح الجنوبي لبركان كيلوئيا في الشهر 11/2000 أثناء تحضيره أطروحة الدكتوراه، التي حصل عليها من جامعة ستانفورد عام 2001.


مراجع للاستزادة 
Sudden Aseismic Fault Slip on the South Flank of Kilauea Volcano, Hawaii. Peter Cervelli, Paul Segali, Kaj Johnson, Michael Lisowski and Asta Miklius in Nature, Vol. 415, pages 1014-1017; February 28, 2002.
Episodic Tremor and Slip on the Cascadia Subduction Zone: The Chatter of Silent Slip. Garry Rogers and Herb Dragert in Science, Vol. 300, pages 1942-1943; June 20, 2003.
Giant Landslides, Mega-Tsunamis, and Paleo-Sea Level in the Hawaiian islands. G. M. McMurtry, P. Watts, G. J. Fryer, J. R. Smith and F. Imamura in Marine Geology. Available online at
www.sciencedirect.com/science/journal/00253227
Visit the U.S. Geological Survey Hawaiian Volcano Observatory at http://hvo.wr.usgs.gov
Scientific American, March 2004

0 comments:

CommentairesPOST UR COMMENT